بعكس غيرها تكون بعض الحوارات ذات شجون و فوائد , تستمتع برفقة أصحابها و تسعد بالاصغاء الى حكاياتهم . بينما كنا جلوس نتحدث أنا و بعض النسوة تطرقنا الى موضوع الرزق , و قد بادرتنا عمة لنا بشكوى ابنتها من الراتب الذي تتقاضاه في عملها , تشكو قلته , مستشهدة بذلك ضخامة مرتب مدراءها و المكافئات و السيارات الفارهة التي يتمتعون بها دوناً عنها وعن بقية الموظفين . كانت تتكلم بتعاسة , وتبدي بحنق رغبتها الملحة في ترك تلك الشركة والبحث عن مورد رزق يرفرف العدل فيه فوق رؤوس الجميع .
و في غمرة ثورتها تلك سألتها اختها الاكبر منها سناً و الاكثر حكمة " هل تشعرين بأنك ِ تتقاضين أقل من جهدك ؟ "
ردت عليها باندفاع بأنها تعرف مقدار مايتقاضاه مديرها و كم هو مبلغ ضخم وكيف انه يتمتع بميزات لا تتمتع بها هي وانه لديه ولديه ...
اعادت اختها السؤال بصرامة : " هل تشعرين بأنك ِ تتقاضين راتباً أقل من جهدك الذي تبذلينه في العمل ؟ "
قالت : لا.
قالت : فلا تنظري الى رزق أحد ولاتقارني نفسك بأحد , واحمدي الله على مارزقك ولا تشكي القلة فتسلب منكِ .
عند هذا الحد من الحوار ذكـَّرتنا إحدى الاخوات بقصةٍ رواها أحد الشيوخ حدثت معه , فبينما هو جالس أتاه رجل يشكو القلة , قال ياشيخي راتبي لا يوفي متطلبات المنزل والاولاد و ينفد قبل نفاد الشهر , فما أنا عامل و الحال على ماهو من ضيق ؟
قال له الشيخ .. تطلب المشورة فهل ستعمل بها ؟ .. قال أجل , قال فاذهب الى مديرك واطلب منه أن ينقص من مرتبك .
دهش الرجل لمشورة الشيخ لكنه أخذ عهداً على نفسه بتنفيذها , و ما أصعب ذلك , غير أنه فعل , وكان له ماطلب .
بعد مدة جاء الرجل الى الشيخ يشكو ضيق الحال ثانية وعدم استيفاء المرتب لمتطلبات عيشه واسرته, فأعاد الشيخ المشورة السابقة , وهكذا كان , و رجع الى الشيخ مرات عديدة و كانت نفس المشورة , فكان بعد كل زيارة للشيخ يطلب من مديره أن ينقص له راتبه فينقصه له !
و في يوم جاء الرجل الشيخ بشوشاً مسروراً و قال يا شيخي مرتبي كفاني أنا وعيالي وتبقى منه نصيب فتركته لوقت الحاجة .. قال له الشيخ .. هذا هو الراتب الذي تستحق , و ما ذهب منه كان زائداً عن حقك , فسلب البركة من كل مالك .
سبحان الله ...قصص الرزق عجيبة وغريبة , وتدعو للتفكر ... اليكم هذه أيضاً
كان هناك رجلان يبيعان اللبن في الحي , لاحظ أحدهما بأن عدد من يشتري منه اللبن أقل ممن يشتري من الرجل الاخر, فأصابه الغم , وذهب الى شيخ الجامع وشكا اليه ( لماذا يتجمع الناس على الرجل الاخر ويشترون منه كل مالديه من لبن , بينما لا يشتري مني إلا القليل من الناس ) ... فقال له الشيخ اذهب الى مالديك من لبن فاخلطه بماء .. تعجب الرجل من قول الشيخ وقال له .. أأغش يا شيخي ؟ ... قال له افعل ما ذكرت لك و عد فاخبرني ما يجري معك ...
في صباح اليوم التالي ... مزج الرجل اللبن بالماء وخرج للسوق .. كان يوماً غير مألوف بالنسبة له .. فقد ضج الناس اليه و ازداد مقدار ماباع وجنا الكثير من المال ...
عاد الى الشيخ و حكا له ... فتبسم الشيخ وقال ... أما من جائك اليوم يشري اللبن فماله حرام أو خالطه حرام , فذهبت به قدميه الى الحرام ليجيئك المال الحرام , وأما القلة التي كانت تشتري منك قبلاً فقد كانت فئة قليلة لكنها تأتيك بمال حلال لأن مالها من حلال .